مئات التلاميذ والعشاق توافدوا على كنيسة السيدة الإفريقية
"شموع الأماني" بالعاصمة للنجاح في "الباك" والإحتفال في ذكرى القديس
عندما تنظر إلى قمة هضبة باب الوادي، بقلب العاصمة الجزائر، تشدك صورة كنيسة السيدة الإفريقية، التي تم ترميمها خلال التسعينيات، فأصبحت تستقطب الأجانب والجزائريين على حد سواء، لا لممارسة الطقوس النصرانية فقط، ولكن كمكان مقدس شد إليه من يبحث عن التبرك وجذب العشاق والمراهقين ليشعلوا شموع الأماني، تيمنا بالسيدة مريم العذراء، بالرغم من تناقض هذه الطقوس مع معتقدات الجزائريين.
أجانب أكثرهم صينيون، جزائريون من نساء وتلاميذ وأزواج غير شرعيين، في تهافت يومي على كنيسة السيدة الإفريقية، هي الحقيقة التي رصدتها "الشروق"، من خلال زيارتها عدة مرات إلى هذا المعلم التاريخي الديني الذي يعود إلى سنة 1855 من القرن الماضي.. فعندما تعبر بابها، تقابلك وحول صدر قبتها من الداخل عبارة مكتوبة بالفرنسية: "يا سيدة إفريقيا صلي من أجلنا ومن أجل المسلمين".
رموز روحانية تستحوذ على قلوب الرومانسيين
زيارتنا إلى السيدة الإفريقية، ورغم أنها لم تكن في أيام عطلة الأسبوع، كشفت لنا عن ميول عاطفي مقصود أو غير مقصود من طرف شباب جزائريين، وجدوا في المكان رموز الحب والتسامح. وهو ما أكده لنا الأسقف بينويت ماوانا، من أصول إفريقية، الذي يعتبر الكنيسة مساحة للروح ظلت أحد الرموز الدينية المثيرة للتأمل الروحي والإدراك الاجتماعي، موضحا أن الكثير من المسلمين يقومون بإشعال الشموع ويدعون الله أن تتحقق أمنيتهم، خاصة أن الإسلام- حسبه- يعترف بالسيد المسيح ومريم العذراء.
في المظهر الخارجي للكنيسة، والجهة التي تقابل البحر، تشاهد تمثال السيدة الإفريقية وكأنها تستقبل الزائرين، وهو تمثال استوحي من الخادمة النصرانية ذات البشرة السوداء المسماة مارجريت بارجار، التي شدت الرحال من مدينة ليون الفرنسية نحو مدينة الجزائر في القرن الـ19 عشر، للتعريف بدينها، واستقرت مع أسقف يدعى "بافي" في أعالي باب الوادي، على ارتفاع 128 متر من سطح البحر.
وتسحرك نسمات البحر الصاعدة إلى الهضبة ومنظر مدينة الجزائر.. فالمكان بات مزارا للعائلات الجزائرية ومكانا رومانسيا، يقبع فيه العشاق من المراهقين، الذين ينهون زيارتهم إليه، في غالب الأحيان، بإشعال شموع ملونة داخل الكنيسة حتى باتت عادة يكررها شباب كثير.
عيد الحب على أضواء الشموع لتحقيق الأماني
عبر الكثير من الشباب لـ "الشروق" عن تأثرهم برمزية المكان، وعزم بعضهم الاحتفال بعيد الحب في كنيسة السيدة العذراء.. وقال رضوان، وهو تلميذ في ثانوية بباب الوادي: "وجدت هنا الكثير من الرموز والعبارات العاطفية.. نذر تحققت مكتوبة من شخصيات جزائرية وأجنبية.. تمثال القديس يوسف خطيب السيدة مريم وغيرها من أيقونات الحب". ويضيف: "سأحتفل مع صديقتي بعيد الحب هنا".
وقد لاحظنا أن كتابات نذور مستجابة اعترافا بالسيدة العذراء مكتوبة باللاتينية والعربية والأمازيغية قديمة وحديثة، في فيناء الوسط على الجدران، جذبت إلى قرائها زوار الكنيسة، بينها نذر تقرأه في الجهة اليمنى من الكنيسة وهو لرائد الفضاء فرانك يورمان عندما وصل إلى الفضاء سنة 1970.
هناك على اليسار من الكنيسة لائحة منحوتة عليها العبادة المريمية في شمال إفريقيا في القرن الأول وتقابلها حجرة منحوتة عليها اسم مريم وحولها تذكار عن مريم العذراء من القرن الرابع عشر، مكتوب باللاتينية والعربية والأمازيغية صدرت عن تازمالت في القبائل الصغرى كتب عليها: "احمي خادمك يا مريم".
وفي أعلى الكنيسة توجد القبة الكبيرة مزينة بالزجاج الملون بجانبها نحت التمثال القديس أوغستين مع صور جدارية تبين مراحل حياته وتمثال مصنوع من الخزف الأزرق أنجز من قبل فنان جزائري يدعى "محمد بوتي"، الذي رسم ابنته الصغيرة، حيث أصبحت تزور الكنيسة حسب أحد الخدام فيها لتتطلع عليها.
تلاميذ يتبركون بالسيدة مريم قبل خوضهم امتحانات نهاية السنة
وانتشرت مؤخرا في الكنيسة، فكرة إشعال الشموع، التي تباع بسعر رمزي لا يتجاوز 100 دج، من طرف فئة شبابية ترى في السيدة مريم رمزا للحب وفي القديسين أمثال يوسف وأوغستين، قداسة المكان، حيث يشعلون الشموع تحت القبة ويدعون لتحقق أمانيهم، وأكثر هؤلاء المرشحين لشهادة البكالوريا والتعليم المتوسط. وهو ما أكده أحد الخدام في الكنيسة وهو جزائري، حيث قال إنه أياما قبل اجتياز امتحان البكالوريا يتوافد الكثير من الطلبة إلى هنا ويشعلون شموع الأماني. وربما وقوع بعض المؤسسات التربوية بالقرب من الكنيسة سهل المهمة.